تدوينة قصيرة في وقت سابق من 2014
الذي خطط لاختيار “رام الله” عاصمة مؤقتة لمؤسسات “الدولة” كان يعلم ماذا يفعل تمامًا. تلك الحاضرة الصغيرة التي لم تتجاوز بعد حدود قرويّتها لفظا ومعنى، أصبحت ترتدي ثياب العواصم الكبيرة في فترة زمنية قياسية لا تتجاوز ال40 عامًا منذ احتلال الضفة الغربية. تاريخها أقل عمقا من أخواتها “القدس، بيت لحم، الخليل، نابلس”، ولا يرتبط اسمها وتاريخها وجغرافيتها بأي رمزية دينية أو حضارية قد تكتنه حضارة الفلسطينيين في مشهد ما كمشهد الأقصى والإبراهيمي والمهد، أو على الأقل كمشهد البلدات القديمة في كل من تلك المدن. هذه المدينة الوليدة هي الأكثر قدرة على استيعاب الجديد الطارئ منها تشبّثا بالماضي التليد، وكانت هي الأقدر على استيعاب مفردات “الدولة الانتقالية” سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، فهي المدينة المفتوحة التي تستوعب “الكوكتيل” الثقافي والعرقي والأجناس المختلفة. تستطيع بسهولة أن تتجاوب مع الجديد أيا كان ومتى كان وكيف كان، طالما أن كلمة “وطني/ـــة” هي اللاحقة المرتبطة به. وهذا يجعلها حضنا للاستثمار والاستقرار. في بضعة كيلومترات مربعة شُيدت دولة فلسطين ومؤسساتها الحكومية والخاصة أيضا، وفي هذه البقعة الصغيرة يؤمّ الفلسطينيون شمالا وجنوبا قِبلتهم السياسية والاقتصادية “الأولى” وسط الضفة الغربية. رام الله الصغيرة باتت تكبر وتتضخّم بشكل يفوق قدراتها ومواردها وإمكاناتها. متأرجحة لا هي محررّة ولا هي مُحتلة، ولا هي بتعقيد المدينة ولا حتى ببساطة القرية، ولا هي منسجمة مع نسيجها الاجتماعي الثقافي الفلسطيني ككل، ولا هي منسلخة عنه. رام الله اليوم هي “مسخ مدينة” وليس ذاك ذنبها، ولا ذنب أبنائها. إنها تعيش أسوأ معاني الاحتلال وأسوأ منتجاته.